المحور الأول: وجود الغير.
1. إشكال المحور: (المفارقة والتساؤل).
يختلف وجود الغير بالنسبة للأنا عن وجود باقي الأشياء، فإذا كان الغير شيئا من أشياء العالم الخارجي من ناحية، باعتباره جسما يتخذ حيزا في الوجود، فإنه من ناحية أخرى ذات واعيه تحمل صفاتا تجعلها شبيهة بي، وهذا ما طرح إشكالية وجود الغير، وهي الإشكالية التي تمركزت حول أهميته وضرورته وقوة حضوره،
فإلى أي حد يعتبر وجود الغير ضروريا؟ الا يمكن اعتبار وجود الأنا اولى واهم الا يمكن اعتبار الأنا مستقلة ومرتفعه عن الغير أم أن الغير حاضر بقوة في تحديد صفات الأنا وتعريفها بذاتها؟
2. مواقف الفلاسفة:
أ) موقف رونيه ديكارت: (الأنا أولى من الغير).انطلاقا من ذلك اعتبر ديكارت بأن وجود الأنا أولى من وجود الغير، وأن الأنا كذات مفكرة لا تحتاج إلى من يثبتها أو يؤكد وجودها، فهي حقيقة بديهية واضحة. أما الغير فإثباته يتم بشكل غير مباشر. وبالتالي لا يعتبر من الحقائق البديهية.
قيمة وحدود الأطروحة:
تكتسي أطروحة ديكارت وكذا باقي رواد الفلسفة الحديثة قيمة فلسفية كبيرة، فهي بمثابة ثورة على تحقير الإنسان وعدم اعتباره شيئا ذا قيمة أمام القوة الغيبية المتحكمة فيه، فقد أولت هذه الفلسفة أهمية كبيرة للأنا.
لكن هذه الفلسفة أغفلت أهمية ودور الغير في خلق الحياة المشتركة التي لا غنى للأنا عنها، ذلك أن الحديث عن الأنا المترفعة والمتقوقعة على ذاتها لا يتيح فهمها بالشكل الصحيح.
ب) موقف جان بول سارتر: (الغير يعرفني بذاتي).
لا يمكن الحديث عن وجود الأنا المفكرة إلا باستحضار الغير. فالغير يعرفني بذاتي باعتباره وسيطا بيني وبين ذاتي، يحولني إلى موضوع أمامه وأمامي، فأستطيع تأمل ذاتي ومعرفة كل جوانبها،فضرورة الغير تجعل تجاهله مستحيلا، لأن الأنا تنظر إلى ذاتها في مرآة الغير، ولا يمكن بأي حال الاستغناء عن وجوده.
ان الغيره هو الموجود الوحيد الذي يسلب الأنا وجودها وينفيها، ومن خلاله فقط يمكن إثبات الأنا المفكرة الواعية بسلوكها، ما دامت تتحول الى موضوع قابل للتفكير فيه والحكم عليه.
يمكن القول أن وجود الشخص يتخذ شكلين مختلفين: فوجوده الحقيقي الذي يجب أن يكون عليه هو الوجود - هنا، أي وجوده كذات واعية متميزة عن غيرها، ومتفردة في اختياراتها. والوجود - مع - الغير كوجود مشترك مع الذوات الأخرى التي تقضي على تفرد الأنا وتميزها.
انطلاقا من ذلك فالغير يهدد الأنا ويقضي على تميز الفرد ويدفعه إلى الانخراط في حياة مشتركة يتشابه فيها الأفراد، وتكون لهم نفس الاختيارات ونفس الميولات، ويعيشون وفق نفس النمط من الحياة. إن الغير بهذا المعنى يستبدل <<الأنا>> ب <<النحن>>.